Description
إيران والسعودية والخليج – سياسة القوات في مرحلة انتقالية ١٩٦٨-١٩٧١
(Politics of Iran, Saudi and The Gulf 1968 – 1971 (in Arabic
تأليف: فيصل بن سلمان آل سعود
انهار "السلام البريطاني" عام 1968، وفي غضون أربع سنوات، وجب بناء دول قابلة للحياة مكونة من إمارات مبعثرة على طول الساحل العربي، وترسيم حدود مع جيرانها، وكان على اللاعبين الإقليميين وضع قواعد من أجل العيش المشترك وإعادة تحديد طبيعة العلاقات بين المنطقة والخارج. فللمرة الأولى في تاريخه الحديث، أصبح الخليج منطقة فرعية مستقلة في السياسة الدولية. وفي بعض الحالات، لا تزال الطريقة التي عولجت بها هذه المسائل مصدراً للاضطرابات والصراعات حتى يومنا هذا.
في الخليج، لم تكن هناك قوة عالمية كي تخلف بريطانيا. فقد كانت الولايات المتحدة منهمكة بحرب فيتنام ولم يبذل الاتحاد السوفياتي أي محاولة جدية لتوسيع نفوذه في المنطقة خارج العراق واليمن الجنوبي، إذ كان مدركاً أن مصلحة حلفائه المنتجين للنفط، لا سيما العراق، تقتضي الحفاظ على التبادل التجاري مع الغرب، كما أدرك حساسية أميركا إزاء أي اختلال في إمدادات الطاقة. فعمد إلى تطوير سياسة حذرة وبعيدة جداً عن الاستفزاز تهدف إلى تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية طويلة الأمد في منطقة الخليج. نتيجة لذلك، أصبحت السياسة الخليجية "محلية" وعكست ميزان القوى الإقليمي حيث كانت إيران اللاعب المسيطر.
تميل الكتابات المتوافرة عن الموضوع إلى التركيز على الدور الذي أدته قوى خارجية، لا سيما بريطانيا، وتتعامل مع الفترة 1968-1971 على أنها المرحلة الأخيرة من عهد الإمبراطورية البريطانية في الشرق الأوسط. أما الأعمال التي درست هذه الحقبة من منظار القوى المخلية فنادرة نسبياً. لكن الحقيقة هي أنه في الوقت الذي كانت الإمبراطورية البريطانية في مرحلة أفولها، لم تفرض القوى العظمى هيمنة أو سيطرة مطلقة على المنطقة. بناءً عليه، فإن هذا الكتاب يعطي تفسيراً أفضل تلك المرحلة في التركيز على توجهات القوى الخارجية والتوجهات السياسية المحلية وعلى درجة تأثير القوى الإقليمية على سياسة القوى الخارجية في الخليج في تلك السنوات التأسيسية.
يقود ميزان القوى الإقليمي في أواخر الستينيات ومطلع السبعينيات إلى التركيز على الدور الإيراني. إذ كانت إيران الدولة الخليجية الأكبر بفارق شاسع عن البقية. فبحلول أواخر الستينيات، كان عدد سكانها حوالي 26 مليون نسمة، أي أكثر بنحو 17 مليون نسمة من عدد سكان العراق، ثاني أكبر دولة خليجية. وقد أطلقت إيران منذ منتصف الستينيات جهوداً مكثفة لبناء قوتها العسكرية فاقت الجهود التي بذلها منافساها الإقليميان الأقرب إليها، العراق والسعودية. وكان لها أيضاً اقتصاد سريع النمو دعمته منذ مطلع السبعينيات أسعار النقط الآخذة في الارتفاع.
تطرح هذه الصورة الإيرانية الجديدة سؤالين مترابطين: أولاً، كيف استطاعت إيران إدارة علاقاتها الإقليمية بالرغم من أنه لم تكن لديها خبرة كافية في التعامل المباشر مع العرب في جنوب الخليج باستثناء السعودية؟ ثانياً: كيف أثرت إيران في الجهود الرامية إلى إعادة تنظيم المشهد السياسي في الخليج؟
انطلاقاً من هذين السؤالين الأساسيين، تسعى هذه الدراسة إلى توضيح الطريقة التي أدارت بها إيران سياستها في الخليج، والوسائل الدبلوماسية المستعملة لتحقيق أهداف هذه السياسة، مع الأخذ بالاعتبار المصالح الخاصة الإيرانية والبيئة الإقليمية والتفاعل مع النظام الدولي. إذ كثيراً ما ردد المسؤولون الإيرانيون أن مصلحة إيران في الخليج تقضي بتأدية "دور قيادي". غير أن عبارة "دور قيادي" مطاطة، إذ يمكن أن تعني عند التمعن فيها عدداً من الأمور كتسوية ملائمة للنزاعات على الحدود، أو تولي مهمات دفاعية عسكرية، أو تأدية دور دبلوماسي قيادي أو التأثير بقوة في السياسة النفطية.
لذلك ينظر هذا الكتاب إلى الأهداف الإيرانية في سياق تفاعل بين الطموحات الإيرانية والأجزاء الإقليمية-الدولية. فعلى المستوى الإقليمي، كانت إيران تهم بدخول حلبة سياسية مجهولة، إذ لم تكن حكومة الشاه متيقنة من رد فعل العرب في سياستها في الخليج. أما على المستوى الدولي، فإن نفوذ الولايات المتحدة في إيران كان أقل مما يعتقد، بل إن إيران طبقت سياسة تقليدية تقوم على تأليب قوة عالمية على أخرى. وقد كان الهدف من هذه السياسة في ما مضى تعزيز السلامة الإقليمية الإيرانية إلى أقصى حد، أما هذه المرة فكان الهدف الحصول على الدعم لتأدية دور إقليمي منتظر منذ وقت طويل.
ينطلق الكتاب من بداية انهيار الوجود البريطاني في النصف الثاني من الستينيات بعد استمراره فترة طويلة من الزمن. إذ يناقش الفصل الأول منه العوامل التي دفعت بريطانيا إلى اتخاذ القرار بسحب قواتها من شرق السويس بحلول عام 1971، والعوامل الدولية في ذلك الوقت. ويركز على التأثير العوامل السياسية والاقتصادية الداخلية التي أدت إلى التغير في المكانة الدولية لبريطانيا في ظل حكومة هارولد ولسون العمالية. كما يتطرق هذا الفصل أيضاً إلى الموقف الأميركي والصعوبات التي واجهتها إدارة ليندون ب.جونسون في التعامل مع التحديات الدولية المتزايدة أثناء حرب فيتنام. الأمر الذي دفع الولايات المتحدة إلى الضغط على بريطانيا كي تبقي على وجودها في الخليج، وإلى الرفض في أن تحل مكانها في دور الحارسة لهذه المنطقة. أما القسم الأخير من هذا الفصل فيعالج المكانة الإيرانية التي تغيرت نتيجة ثلاثة أمور: نفوذ إيران المتزايد وتراجع النفوذ البريطاني وقرار أميركا عدم خلافة بريطانيا.
يركز الفصل الثاني على رد الفعل الإيراني على الاقتراحات بشأن مستقبل الخليج في السنة الأولى من استعداد بريطانيا للانسحاب. الفرضية الأساسية في هذا الفصل هي أنه وبالرغم من مصالح إيران في الخليج، إلا أنه لم تكن لديها في عام 1968 سياسة جاهزة لحماية تلك المصالح. فقد كانت خبرة الحكومة الإيرانية في التعامل المباشر مع الحكام العرب في الخليج محدودة جدارً، ولم تستعد استعداداً كاملاً لرد الفعل العربي حيال مطالبها في المنطقة. إذ عمدت إلى اتخاذ موقف متشدد من خلال مطالبتها الفورية بضم أرض، لا سيما البحرين، وعارضت بشدة تشكيل اتحاد الإمارات العربية المقترح. لكنها غيرت موقفها في ما بعد وتوصلت إلى التأقلم مع السعودية، مما أدى إلى تسويات ثنائية معها حول الأراضي عرفت بـ"اتفاقية الجرف القاري". ثم تخلت في كانون الثاني/يناير 1969 عن مطالبتها التاريخية بضم البحرين. وبقيت المسائل البعيدة الأمد المتعلقة بالتعاون الإقليمي والمطالبة بضم جزر هرمز عالقة.
ينتقل الفصل الثالث إلى التركيز على المستوى الدولي مع وصول إدارة ريتشارد نيكسون إلى سدة الحكم في كانون الثاني/يناير 1969. في ما يتعلق بالخليج، كان التطور الأبرز في سنوات نيكسون هو إعلان "مبدأ نيكسون" حيث إن تطبيقه العملي في الخليج، المتمثل في "سياسة الركيزتين المحورتين"، قد نقل المنطقة إلى قلب الاستراتيجيات العالمية الأميركية. يرسم هذا الفصل جذور "سياسة الركيزتين المحوريتين" في السنة الأخيرة من رئاسة جونسون، كما يصف الاعتبارات التي دفعت إدارة نيكسون إلى اعتماد موقف مؤيد بشدة لزيادة مبيعات الأسلحة الأميركية إلى إيران، ولتوسيع إمكانات إيران العسكرية.
يعيد الفصل الرابع النقاش إلى المستوى الإقليمي، لا سيما النزاعات الإقليمية، ويأخذ بالاعتبار تأثير السياسة الأميركية على السلوك الإيراني. فبعد تخلي إيران عن مطالبتها بضم البحرين، يمكن تحليل سياستها في الخليج من خلال النزاع حول السيادة على جزر هرمز الثلاث: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى. كما يركز هذا الفصل على السياسة الإيرانية تجاه الطرف العربي وعلى المفاوضات مع الحكومة البريطانية.
يلقي الفصل الخامس الضوء على قرار إيران باحتلال الجزر الثلاث بالقوة قبل يوم واحد من الانسحاب البريطاني الرسمي من الخليج. ويتطرق إلى المناورات الديبلوماسية الإيرانية استعداداً للقرار، وإلى تقويم السياسات البديلة، مع الأخذ بالاعتبار أن ثلاثة عوامل -على الأقل- تضافرت لمصلحة إيران، فقد كانت بريطانيا في سباق مع الوقت من أجل التوصل إلى تسوية، فتحولت إلى إيران، وكانت العلاقات بين إيران والولايات المتحدة الأقوى في التاريخ الحديث بين البلدين، ونتيجة لذلك، كان الموقف العربي الخليجي ضعيفاً. وهكذا لم تعارض بريطانيا والولايات المتحدة إنزال جنود إيرانيين في الجزر الثلاث، بالرغم من أن بعض الدول العربية بذلت محاولات حثيثة لحمل إيران على العدول عن قرارها.
Language: Arabic
ISBN: 9953740798
2006, Hardcover,214 pages, 17.0 x 24.0 cm